«النور المقدّس»… تفاصيل فيضه في كنيسة القيامة

النور

القدس - اسي مينا - سنة بعد أخرى، يتذكّر المسيحيّون حول العالم موت يسوع المسيح وقيامته. لكنّ مدينة القدس تتميّز بمناسبة الفصح الأرثوذكسي بتقليد خاصّ يوم سبت النور وهو رتبة «فيض النور».

يُحتفل بـ«فيض النور» كلّ عام في يوم السبت السابق لأحد القيامة بحسب التقويم الشرقي أو اليولياني.

وبالنسبة إلى كثيرين من المؤمنين الأرثوذكس، فإنّ هذا النور يشتعل داخل قبر المسيح بشكل عجائبي من دون تدخّل بشري، في حين يشكك أرثوذكس آخرون بأنّ الأمر فائق للطبيعة.

ماذا يحصل بانتظار «فيض النور»؟

يُحتَفَل بهذه الرتبة سنويًّا منذ القرن الثاني عشر. ومن أجل المشاركة فيها، يبدأ المؤمنون بالتوافد إلى كنيسة القيامة منذ الصباح الباكر، فينتظرون ساعات حتّى موعد الرتبة ظهرًا. وتُعيد بعض الكتابات هذا التقليد إلى القرن الرابع، وتقول إنّ بطرس الرسول قد شاهد النور العجائبي بنفسه.

فُتِحَت هذا العام أبواب كنيسة القيامة في القدس عند الساعة التاسعة صباحًا من قبل بطريرك القدس للروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث. ومن ثمّ، عند الساعة التاسعة والنصف من قبل ممثلين عن بطريرك الأرمن الأرثوذكس. وبدأ بعدها الراغبون في المشاركة بدخول الكنيسة.

وراح المؤمنون المنتظرون داخل الكنيسة يرنّمون بأعلى صوتهم قرابة الساعة 11 صباحًا. ويعود تقليد الترنيم بصوت مرتفع إلى أيّام الحكم العثماني للبلاد، عندما كان المؤمنون يُمنعون من الترنيم خارج الكنائس.

كيف يفيض «النور المقدّس»؟

أُطفئت الأضواء والشموع في الكنيسة بخاصّة داخل قبر المسيح. وخُتِم باب القبر بالشمع، علامة على عدم وجود أي أمر قادر على إشعال الشمع داخل القبر. وقبل وصول البطريرك بقليل، أُزيلَ الختم وحُمِلَ قنديل زيت كبير إلى الداخل. وقبل دخول ثيوفيلوس القبر، تأكّدت الشرطة الإسرائيليّة من عدم حمله أيّ أداة قادرة على إضاءة الشموع.

ويرافق عادة بطريرك الروم الأرثوذكس إلى داخل غرف القيامة بطريرك الأرمن الأرثوذكس. وقد مثّل الأخير هذا العام مطران أرمنيّ، كما دخل مع ثيوفيلوس مطارنة من كنائس أخرى. لكن يُسمح حصرًا لبطريرك الروم الأرثوذكس بدخول غرفة قبر المسيح، في حين ينتظر باقي المطارنة في كابيلا الملاك المؤدّية إلى القبر. وتستذكر هذه الكابيلا ظهور الملاك على النساء الحاضرات إلى القبر صباح أحد القيامة.

وبعد دخول بطريرك الروم الأرثوذكس إلى «قبر يسوع»، يخرج حاملًا شموعًا مضاءة. فتُشعل منها شموع الواقفين خارجًا. وتتحوّل الكنيسة بسرعة كبيرة إلى بحر من نور الشموع. وكثيرًا ما يحمل الحجّاج 33 شمعة ترمز إلى عمر السيد المسيح سنة وفاته.

ويؤمن بعضهم بأنّ نارًا تنزل من السماء فتُشعل شمعة بطريرك الروم الأرثوذكس داخل القبر. ويقول آخرون إنّ نار الشموع لا تحرق الناس في أوّل 33 دقيقة بعد إشعالها. ويحتفل المؤمنون الحاضرون في الكنيسة بفرح عند إشعالهم الشموع.

تدابير خاصّة بالمناسبة

لم يُسمح هذا العام لأكثر من 4200 شخص بدخول الكنيسة لأسباب أمنيّة. وذلك على الرغم من أنّ وفود الحجّاج هذا العام كانت أقل من العادّة بسبب حرب غزّة وقلّة عدد الفلسطينيّين القادمين من أماكن عدّة للمشاركة. وقد أغلقت الشرطة الإسرائيليّة مداخل مدينة القدس القديمة منذ يوم الجمعة. وحضر عدد كبير من عناصر الشرطة لضبط الأمن.

ونُقل «النور المقدّس» من مدينة القدس إلى أماكن مختلفة في فلسطين والعالم. فهو يُحمل عادة إلى الكنائس الأرثوذكسيّة الرئيسيّة في الأراضي المقدّسة وإلى كنائس أرثوذكسيّة عدة حول العالم عبر رحلات جويّة تنظّم للمناسبة. وحزنًا على ضحايا حرب غزّة، لم تُشعل الشموع هذا العام في الشوارع من شخص إلى آخر بل حُمِلت مباشرة إلى بيوت المؤمنين.